نقاط متفرقة، متناثرة، متباعدة، تشكل -بتقاربها وتشابكها- اللوحة مكتملة والفقرات كاملة، أجزاء متفرقة تتشابك وشتات متناثر يتقارب ليصنع لوحة، قصيدة، قصة، سيمفونية عذبة، آهة مكتومة وفي المجمل حياة. أحداث متباعدة تتقارب، مواقف تتلاحم، قصاصات تتناثر في الهواء، نفحات تحمل خبراً، نسمات تعبر الروح ودقات تنبئ القلب بما يريد أو لا يريد، وماذا يهم.

تساءلت دوماً عن تلك القوة الخفية الكامنة بداخلي والتي تأخذني دوماً للبحث عنك.. ودوماً أبحث عنك.. وأنت بعيد، أبحث عنك.. وأنت قريب، أشتاق إليك.. وأنت بمنأي، تأخذني اللهفة.. وعلي القرب، أرنو إليك.. وأبداً ودوماً أنبش بين السطور بحثاً عن طيفك الحاني وبين الألحان المنسابة ذلك اللحن غير المكتمل بدونك.. ودوماً أبحث عنك..

للحب معان كثيرة.. عديدة.. متشابكة.. متداخلة ومتناقضة في كثير من الأحوال.. حقيقة نعلمها جميعاً ونعيش تفاصيلها ضمن خضم أحداث أيام تتوالي ساعاتها أمام أعيننا في تتابع مستمر فترينا كل الصور وتذيقنا كل المعاني.. تدفع بنا لليأس تارة وترفعنا لأعلي قمم السعادة لتهوي بنا في بئر سحيقة من أحاسيس متناقضة ومتنافرة.. مشاعر تتفوق سلبياتها علي إيجابياتها تارة لتحمل لنا كل السعادة ودفقاً من التفاؤل وتارة أخري.. نتساءل.. نتعجب.. نستنكر.. نشكو.. نفرح وكثيراً ما نهتم.. ونعيد الكرة ونكرر السؤال.. وأبداً لا نستوعب.. لا نعي المعني الخفي والمدلول الغامض والسر الدفين.. ببساطة ويسر.. هي حياة.. هي سنة قدر وقانون طبيعة صارم يحكمنا.. يرسم لنا الخطى.. أقدار تواجهنا بالاختيار.. وأولاً وأخيراً نختار.. ونحتار.. ومن جديد نختار.. فلا سعدنا بخيارنا.. ولا شقينا به.. وأبداً لا نتوب.. وأبداً لا نحمد.. وأبداً لا نهدأ.. ودوماً نحيا وأبداً لا نعيش!!

جاءت بي إلي الدنيا وجئت لها بكل الحياة، لطالما راودها هذا الحلم.. طفل يكون لها أملاً ووليد يهبها الحياة. واستقر المولـــود بأحشائها تسعة أشهر تحمله بين ضلوعها وظللت أنعم بالراحة والهدوء بجوار قلب حنون ينبض قلقـــاً وخوفــــــــاً ولهفة وانتظاراً ونفس تتوق بشوق لرؤية ذلك الكائن الصغير البعــيـــد عن العين شديد القرب من الروح والخالد دوماً  بالوجــــــدان، ومكثت بين جوارحها في هدوء وسكينة أتغذي على حبــــها الفطرى وأنمو بشوقها المتزايد وأتوق لرؤيتها تضمني، تحبني، تحملني فتهبني الأمـــــان وتغمرني شوقاً ودفئاً وحناناً.

نحب الحب ونتغني به.. نعيش علي أمل انتظاره.. نراه في كل المحيط.. في أحلامنا.. في يقظتنا ومنامنا.. منذ الصغر.. مع الصبا والشباب.. وبمرور سنوات عمرنا.. لطالما داعبنا طيفه الساحر وأحاسيسه الجياشة ونسماته العطرة.. لطالما تغني كل منا بمشاعره الفياضة، وقصصه العذبة، وأحلامه الجميلة التى لا تنتهى.. لطالما عشنا فصوله بحلوها ومرها وسعادتها ومرارتها ولحظات الأمل الخاطفة.. نشأنا عليه، تفتحت أولي أيامنا علي حضن أم دافئ وابتسامة أب حنون.. وحنان جارف  يغمر كون طفل لا يزال وحيداً يحبو -بحذر حيناً واندفاع شديد فى كثير من الأحيان- علي صفحة الأيام.. يكبر وبداخله حب ينمو يوماً بعد يوم.. رفاقه في الدراسة، أصدقاء الطفولة، ذكريات الشباب المرحة، أيام العمر الطويلة، حلقات متصلة  يجمعها حب يغلفه، وشوق دائم لمشاعر تجتاحه وأمل يحلم به.. رفيقة للعمر، وصديق للرحلة، وأبناء للسند، ومال للمعيشة، وعمل لإثبات الذات.. حب للحياة.. ورغبة فيها تزداد يوماً بعد يوم.. لا تقف عند حد ولا تقتصر علي شخص بعينه.. وإنما هي حالة تنتابنا.. وقصة نعيش فيها أو تعيش بنا.

 

لكل بداية نهاية.. وكل نهاية تعنى البداية من جديد.. ولأن القصص تتشابه والبدايات تتداخل.. تتكرر الفصول وتتوالى.. وتتراءى أمام أعيننا الصور.. ودوماً نكررها.. وأبداً لا تتغير.. تأتينا الفرص الواحدة تلو الأخرى فنضيعها انتظاراً لغيرها.. وتأتى الثانية فننتظر الثالثة، لتأتى فنتوق شوقاً أيضاً لغيرها..

 

تتحدث فيعلو صراخه.. ينطلق صراخه فتنهار دموعها أنهاراً.. لا يسمع أحدهما الآخر.. هي في وادي وهو في وادي آخر.. يكيل لها لوماً فتنطلق سهامها خناجراً مسمومة وتحمل عباراتها شكوي هادئة تحيلها إتهاماته باللوم والعجز والتقصير صراخاً مدوياً.. لا يفهمها ولا تفهمه.. فالأصل بينهما هُوة سحيقة تفصل كلاهما عن الآخر وأساس المعضلة المعقدة وسيل المشكلات المتراكمة حلقة مفقودة وكلمة تائهة ولحناً ممزقاً ولغة حوار لا يدركا أهميتها في حل صراع ليس له أساس ومشكلة لا وجود لها سوي بذهن مُشتت وعقل تائه وقلب حائر وروح هائمة تبحث عن أليف كان وولي وصديق لم يعد وتوأم روح أمسي بمرور الزمن خصماً لدوداً وعدواً مُتربصاً علي الأبواب.

 

غريبة القصة.. غريب اللقاء والأغرب تفاصيل جمعت بيننا.. قصة بدأت من فورها بتلاقي أعين غريبة أمست في برهة قصيرة أقرب الأحباء وأسطورة عشق وليدة نسجت خيوطها الأولي بتعانق أيدي الغرباء وبداية تعارف وبطاقة مودة وكارت شخصي يحمل كلمة لقاء.. وكان تعارفاً..